متلازمة ابني أحسن مني

يولد الطفل وتبدأ معه آمال وأحلام الأهل المعلّقة، وأهدافهم الكبيرة بأن يكون لديهم طفل أبو سبع صنايع، الطفل الموهوب، الطفل الذكي بل العبقري. الطفل الذي سيرث كرسي التلفزيون الخاص بأبيه ويحوله بقدرة قادر إلى عرش، كيف؟ لا أحد يعلم كيف حتى اللحظة، لكن من المرجح أن أغلبية الأهل توصلت لطريقة الإجبار إكراهاً حتى موت الحلم الخاص بالطفل، من هنا قمنا بتصنيف هذا النوع من ردة الفعل تحت مسمى متلازمة ابني أحسن مني


تعريف متلازمة ابني أحسن مني

القمة وما أدراك ما القمة

سباق الأمهات

أبعاد المتلازمة

خمسة حلول مقترحة


تعريف متلازمة ابني أحسن مني

دعونا نتحدث عنهم، أولئك الذين تتملكهم رغبة معلنة بأن يكون أطفالهم أفضل منهم (ابني أحسن مني)، وبالحقيقة أنها أمنية فضفاضة جداً؛ فالمفاضلة هنا لا يمكن قياسها، هل التفضيل يكون بالمستوى المادي؟ أو المسمى الوظيفي مستقبلاً، أم التحصيل العلمي؟ أم المفاضلة تأخذ شكلاً مختلفاً فأنا أرغب بالحصول على طفل أفضل مني صحياً؟ أو نفسياً ومشاعرياً؟ أم جميع ما سبق؟

متلازمة ابني أحسن مني هي دفع الأهل لأطفالهم في مجالات لا تناسبهم بحجة أن يصبحوا مستقبلاً أفضل من أهلهم بغض النظر عن احتياج الطفل ورغبته. وعادة ما يترافق مع هذه المتلازمة مشاعر خوف لا حب، أي أن الأهل يدفعون بأولادهم لمجال محدد خوفاً من ضياع فرصة الطفل في الحياة


القمة وما أدراك ما القمة

بالحقيقة أن لتلك الأحلام الكثير من المبررات، فمن الصعب أن تقنع أم لم تتلقَّ تحصيلاً مدرسياً أن الدراسة ليست هي الوسيلة الوحيدة لنجاح أطفالها في هذا العالم! أذكر مرة كنت في صدد الحديث مع أخصائية نفسية بأمور تتعلق بطفلي وتوجهاتي في اختيار المدرسة وطريقة التدريس، الأخصائية لم تلبث أن عبرت عن رغبتها الكبيرة في أن يصبح طفلها ذو الأربع سنوات طبيب المستقبل أو يلتحق بما يسمى كليات القمة، وأنها بدأت بادخار المال لحلمها الذي لم تحققه هي، والعلة أنها تريد أن يكون طفلها أفضل منها! وهنا تعجبت لأنها أخصائية نفسية وهذه من الوظائف الأكثر طلباً من عموم الناس حالياً، وأنه بالقليل من الإبداع يمكنها تحقيق الكثير من آمالها بدل تعليقها على طبيب المستقبل. لو أنها توقفت قليلاً خارج مصنع الأحلام المعلّقة وأخذت دقيقتين من الحضور لاكتشفت بلا جهد أن المعادلة اختلفت تماماً! وأن صانع محتوى اليوتيوب قد يتقاضى أجراً أعلى من الطبيب بمراحل، وأن الكثير من العموم حلمه أن يتخصص بتخصصها وأن الحاجة للاختصاصات النفسية تزداد، وأن كليات القمة بكل أحلامها أصبحت جزءاً من أساطير الماضي، والحقيقة أن البشمهندس يتوق لأن يكون المش مهندس! ليس الحديث هنا بلفظ العموم إطلاقاً فلازالت هذه الوظائف على قدر من الأهمية بل الضرورة في الحياة، ولا يزال الكثير من الطلاب يتوقون لدراستها حباً فيها، لكني أتحدث عن تقييدها ووضعها في مرتبة الصفوة والحلم المنشود المعلق عليه آمال (ابني أحسن مني).. لكن لماذا لا يزال السيناريو يتكرر رغم وجود أجيال من الأطباء والمهندسين وخريجي كليات القمة العاطلين عن العمل؟ الأمر لا يعدو كونه برمجة علق الكثيرون فيها


سباق الأمهات

في هذا السياق نرى الأمهات يتفنن بتعليم أطفالهن من أعمار صغيرة المفردات والحروف والأرقام وجميع أسماء حيوانات المزرعة والغابة و و ، والحقيقة أنه جهد كبير مبذول من الأم والطفل، وهو خيار محمود إن كان الطفل في مرحلة إبداء الاهتمام بهذه الأمور بالتحديد، بأن لا تصبح سباقاً وحشواً، لكن هل هذه هي أولوياتك بالتنشئة؟ نسمع عن أطفال يعرفون العد للمئة وكل أسماء الحيوانات وأصواتها وأسماء صغارها، لكنهم بالمقابل لا يجيدون التعبير عن احتياجاتهم أو مشاعرهم.. كلها خيارات تعود لك كمربي ولهدفك خلال عملية التربية هل (ابني أحسن مني) معلوماتياً؟ هل ستسمعه جدته في مكالمة زوم عبر القارات لتصفق لك على أنك علمت ابنك جغرافيا عواصم المدن وهي لم تعلمك؟ ما القيمة التي ترجوها من ذلك؟

أم هل (ابني أحسن مني) صادقة بالقدر الكافي أن نكسر سلسلة ونخرج جيلاً أفضل منا بمعايير غير ملموسة فعلاً، بمعايير تأخذ وقتاً أطول لتعبّر عن نفسها، بمعايير صحية جسدية، ونفسية، وفكرية. يمكنك عرض الفيديو التالي لمعالجة اللغة والنطق ريتا الحلو!

مناهج الطفولة المبكرة بشكل عام تبدو لطيفة وحبيبة وكأنها وُضعت خصيصاً لتحقيق ذلك الحلم المنشود، وفي كل مرة تشاهدين صور على السوشيال ميديا لأولئك الأطفال المؤدبين الذين يعرفون القواعد ويلعبون بتلك اللعبة ثم يعيدوها مكانها قبل الانتقال للعبة التي تليها، وأمهاتهن اللواتي يبدو أنهن لطيفات وقد قمنَ بكل هذا الأمر بالفطرة، وأن الأمومة لا تليق إلا بهن، في كل مرة تشاهدين هذا المشهد يخرج صوت منك لا يسمعه غيرك يخبرك أنك أم فاشلة (جلد الذات)! وأنه على الأغلب لا تستحقين أن تكونين أم (قلة استحقاق) وأن أطفالك قد وضعتيهم بطريق الخطأ وبدون الكثير من الترتيبات للأمر، كان قرار الأمومة والإنجاب متسرّعاً آه لو يعود بي الزمن! أو أنك حتى لم تختاري الأمومة إنما أنجبتي أطفالك عن طريق الخطأ!! خطأ خارج عن إرادتك، هي قوى خفية وضعتك في هذا المكان، وهناك أيضاّ صديقتنا التي (أجبروها)على الحمل والإنجاب! هي لم يكن لها يد في الأمر لكنها تكره أمومتها الآن.. هذا ما تخبرين به نفسك كل مرة تمشين فيها إلى سباق الأمهات، والكثير من الأحيان تجلسين في الستاد تشاهدين السباق من بعيد لا تجرؤين على خوضه خوفاً من الحصول على المرتبة الأخيرة بجدارة. كل هذه المشاعر مقبولة وهي تجربة صالحة تماماً وجزء من قصتك، أما جودة التجربة فتعتمد على طريقة الاستجابة لها وتحسين المشاعر المرتبطة بها 

أبعاد المتلازمة

متلازمة ابني أحسن مني لها آثار سلبية على وظائف المرارة التي قد (تفقع) في أي لحظة، كيف لا وهي جُل ما تفعله هو المشي عكس التيار! المتلازمة لها أبعاد عدة على الطفل والمربي، فالضغط الناتج منها على الطفل يؤدي إلى توتر الطفل على أقل تقدير، لكن الخسارة الأكبر تكمن في فقدان الطفل الشغف الذي ولد به والاتصال الحقيقي بذاته الذي يقوده للعب دوره بالحياة سواء كان لاعب كرة قدم، أو فنان، أو طبيب.. فهو قد خٌلق ليكون ذلك الشغف، خلق بتوليفة معينة تجعله أفضل لاعب كرة قدم فلا يمكن بكل بساطة أن تطلب منه أن يكون طبيباً؛ الأمر أشبه بأن تحصل على تفاحة وتطلب منها ليل نهار أن تتحول إلى برتقالة! والمشكلة أنه بمجرد ما برمجتَه منذ طفولته على تبنّي هدف ليس له سرعان ما ينسى شغفه الذي ولد به أثناء اللهث وراء شغفك أنت، الأمر الذي يمثل أعظم خسارات الطفل ويتركه عرضة للتخبط والضياع. وهو سيقضي لاحقاً عمره بأكمله محاولاً معرفة شغفه وقد لا يدركه.. الأمر ببساطة أن تفهم أن الطفل لم يولد صفحة بيضاء نسطّرها إنما ولد بوصلات بالدماغ فريدة من نوعها تختلف عن وصلات أدمغة غيره من الأطفال.

أما بالنسبة لأثر هذه المتلازمة على المربي فهي كذلك تجعله عرضة للضغط والمقارنة السلبية وارتياد سباقات الأمومة غير العادلة. كما أن المربي قد يهمل جوانب من احتياجاته الخاصة و(يضحي) بحضوره وعيش لحظته في سبيل توفير أفضل تعليم وأفضل تدريب وأفضل أدوات وأفضل نوادي لذلك الطفل دون رغبة حقيقية في الأمر، الأمر الذي يجعل المربي يبحث لاهثاً عن أفضل برنامج يجعل (ابني أفضل مني)، وبالحقيقة هي أمور كلها ثانوية ولا تجعل من أحد أحسن من أحد بدون رغبة حقيقية بالأمر، إنما تترك المربي والطفل كليهما في حالة من التعب الدائم والخوف من ضياع الحلم المنشود.


خمسة حلول مقترحة

استبدلي مصطلح (أريد ابني أحسن مني) بـ (سأكون أفضل قدوة لابني)

من غير العدل أن أستمر بممارساتي السلبية وأن أطلب من الطفل أن يقوم بعكسها ليكون أحسن مني، سيراك الطفل تعتني بنفسك، فسيتعلم العناية بالذات، سيراك تهتم بجودة نومك ونظافة أسنانك وأكلك الصحي، سيراك تحظى بوقت خاص وتذهب لتتمرن، سيراك تقرأ كتاباً، سيراك سعيداً بعملك، سيراك وسيراك، هذه هي أقصر الطرق لبرمجة الطفل، وكما يقول المثل الإنجليزي

Monkey see, monkey do

ابني أحسن مني أم فاشلة طفولة تربية أطفال أمومة

استمعي لحدس طفلك

خلال الطفولة المبكرة يكون الحدس لدى الأطفال عالٍ جداً الأمر الذي يجعل الأم تلاحظه وتستغربه وقد تستنكره لاحقاً أو تقلل منه، الفكرة هنا أن تصغي الأم لعلامات الشغف الأولى التي تظهر على الطفل قبل أن تبرمجه على ما هي فعلاً تريده أن يكون، فلو ولد ابنك ليكون لاعب كرة قدم فاسمحي له بأن يكون كذلك فهو سيكون أفضل لاعب كرة قدم، وعلى الأقل أفضل من أن يكون نصف طبيب إن أجبرته على ما لا يهواه.

تقبلي رغبتك في تميز طفلك واسمحي لها بالرحيل

الآن وبعد أن أدركتي المتلازمة، وقد لا تكونين مدركة لها من قبل، إنما مسيّرة لديك باللاواعي، فالآن وبشكل واعٍ اسمحي لكل رغباتك وأهدافك الثقيلة لذلك الطفل أن تعبر من خلالك وترحل. واسمحي لنفسك التقرب من طفلك والاستماع لشغفه

عيشي اللحظة

الأهم من التفكير المبالغ فيه والتخطيط لصنع مستقبل للطفل – ليصبح (أحسن مني) – أن أصنع له لحظة مبهجة هنا والآن أعيشها معه بكامل حضوري، مشاعر البهجة إن رافقت الطفل ستكون داعم كبير له  في أن يكون إنساناً مميزاً رائداً لاحقاً في الحياة. كما أن مساعدته في التطور بإيجابية واحتواء مشاعره ستأخذه إلى آفاق عالية من النجاح بسهولة ويسر.

توقفي عن متابعة ما يستفزك في السوشيال ميديا

في كل مرة تمسكين بها هاتفك لتهربين من أمومتك وتطلبين من تلك الانفلونسر في صفحة الإنستغرام استفزازك بمحتواها المثالي، وأطفالها المطيعين، ولطفها الذي غمر آلاف المتابعين، في كل مرة تقدم لك نصائح لا تناسبك في التربية على الرغم من أنك في قرارة نفسك مقتنعة أنها استخدمتهم في تربية أطفالها والنتائج واضحة عليهم إلا أنها لم تظهر على أطفالك، في كل مرة تخبرين نفسك أن الخلل بأطفالك أو فيك وأنه وجب فعل شيء لتقويم ذلك، أحياناً تظنين أن الطريق المختصرة للتقويم هو الضرب أو الحرمان، ولم لا؟ فنتائجه سريعة لكن آثاره الجانبية عميقة. فتترددين وتغوصين بكنبتك مستسلمة للفشل. هنا نحن نخوض مباراة غير عادلة، تلك الانفلونسر تشارك نتائج أطفالها هي لا أطفالك أنت، هذا ما يناسبها هي لا ما يناسب أطفالك، تلك نصائح التربية لتربي أطفالها هي لا أطفالك أنت. في هذه المواقف أتمنى أن تبعدي عما يستفزك وتتقبلين أطفالك وتنظرين إليهم بعين الرحمة. تطور كبير في عملية تنشئة الأطفال ستدركينها بمجرد إدراكك لوجود خيارات، هناك الكثير من الخيارات المتاحة للتنشئة وأنت من تختارين ما يناسبك، ليس عليك أن تختاري أسلوب الانفلونسر اللطيفة إن كان يزعجك، بل عليك أن تتحملي مسؤولية حالة الانزعاج التي تلاحقك

ابني أحسن مني طفولة أمومة أمهات

رددي: أرغب بالحصول على تجربة تشبهني وتشبه أطفالي

يمكنك الاطلاع على منشور يخدم سياق المقال من صفحة اليونيكورنز بالإنستغرام

2 COMMENTS

  1. ريم العيشات | 22nd مارس 22

    مقال مهم و رائع شكرا جزيلاً

  2. Fatima assamar | 24th مارس 22

    مقالً،يخرج خافينا ،(بدون فلتر)،عم يخلينا نتمعن اكتر في داخلنا
    شكرا انشراح❤️

شاركينا تعليقك